الأحد، 25 يوليو 2010

مقالة: حلم سعفة ... حلم الوطن

حلم سعفة ... حلم الوطن

www.saafah.net

د. محمد بن سعد المعمري


لم تصنع المحاولات العديدة لتقنين وتنظيم ما يبث للنشء الجديد أنموذجاً وطنيًا يُعتدُّ به، فلم نرى ـ سابقاً ـ إلا ترجمات أو (دبلجات) لمنتجات عالمية جرى تطويعها قسراً لتناسب المجتمع، لكن الشروع في إعداد ميثاق "سعفة الأسرى" المستمد من تراب الوطن، ويتشرب قيمه ومعاييره التى تتجاذبها تيارات عديدة، يعد حقاً ابتكاراً جديداً يطرح الأنموذج الذي افتقدناه، لنراه اليوم ماثلاً أمامنا. إن مشروع "حلم سعفة" يُقدِّم أنموذجًا مثاليًا للشخصية السعودية.. يُجسِّد أهدافها، ويُعبِّر عن قيمها، ويترجم مشاعرها، ويُنفِّس همومها، ويحمل طموحاتها، ويُمثلها في مناسباتها وقضاياها؛ فهو بالتأكيد مشروع جبار يستهدف إحياء العادات السامية، ويغرس حب الوطن إحساسًا بقيمة المسؤولية الاجتماعية المستمدة من القاعدة النبوية الشريفة: "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته".


إن المتأمل في تعابير شخصية "سعفة" - التى تمثل هذا المشروع ـ سيستظهر نبل وطيبة وحنان وشموخ المرأة السعودية، ويتبيَّن جدارتها وقدرتها على حمل الرسائل المنوطة بها، كما أن كل شخصية لها تصلح أن تكون برنامجاً متكاملاً يخاطب كل أرجاء الوطن، ويُعوَّل عليها في المساعدة على تكوين قيم المعلمة والطبيبة والمثقفة وكل أطياف المجتمع.


ويتحمَّل ميثاق "سعفة الأسرى" مسؤولية كبيرة في أداء كل هذه الأدوار المتعددة، فشخصية "سعفة" تصلح أن تكون مسلسلاً يبث في الأوقات التى تستأثر فيها شاشة التلفاز بانتباه الأسرة، وأن تظل حاضرة في وسائل الإعلام لتمثل ميثاقها، بل وفي منشورات ومطويات يتركَّز مضمونها على رسائل توعية هادفة. فجيل اليوم بفقده للأنموذج؛ أضحى عرضة للتأثر بشخصيات مستوردة، وبالتالي فمن المتوقع أن يسعد بشخصية نموذجية يرى فيه جدته وأمه وأخته. ومثلما ابتُكرت تلك الشخصية التى تمثل المرأة السعودية؛ فمن المُؤمَّل ابتكار شخصية مماثلة للشاب والرجل السعودي. وقطعاً، لن يغيب هذا عن ذهن راعية بذرات "حلم سعفة" صاحبة السمو الملكي الأميرة صيتة بنت عبد العزيز - أتم الله شفاءها - والمشرفة عليه ابنتها الوفية صاحبة السمو الأميرة نورة بنت عبدالله بن محمد بن سعود الكبير، وكل من ساهم وبذل جهدًا في مشروع الميثاق.


إن ترسيخ المعايير الثقافية والاجتماعية والأخلاقية لأي مجتمع؛ ليس عملية سهلة، وإنما هو مخاض عسير. فتقاليد كل بيت تعد مكوناً رئيساً لنسيج المجتمع وثقافته، لذلك كان هذا النسيج سهل التكوين في الماضي الجميل إذ إن تكرار أنماط بسيطة في المجتمعات الصغيرة المغلقة، يُنتج نسيجاً اجتماعيًا متماثلاً يسعى الكل إلى احترامه وتقديره واتباع عاداته في ظل أعراف اجتماعية متوارثة يخشى الجميع تجاوزها؛ لأنها بثت في سنى العمر الأولى حتى نمت لتشكل مكوناً رئيسًا في شخصية الفرد. ومع انفتاح المجتمع وتعدد العوامل المؤثرة فيه ـ داخليًا أو خارجيًا ـ نجد أن العملية أصبحت أكثر تعقيداً مع تعدد ألوان النسيج الاجتماعى وأشكاله وتكوينه. فالنشء الجديد يتاثر الأن بالفضاء الإلكتروني الذي يعج بما لا يمكن إحصاؤه من القنوات الفضائية ذات الأيدولوجيات المتعددة، والأجندات الخفية المخيفة؛ أما عالم الأنترنت الافتراضي فبلا حدود أو معايير أو اخلاقيات، عالم يصعب التحكم فيه إلا بمنعه، وهذا يعد انتحاراً ثقافياً. كما أن المدارس أصبحت عالماً شائكاً يضم أطيافاً بخلفيات ثقافية واجتماعية وعقائدية متباينة، تتجاذب النشء يميناً ويسارأ. ومن المؤسف أن تختفي رقابة القرية القديمة حين كان الطفل لا يشعر باليتم لأن الجميع يرعاه ويتابعه ويحرص عليه، لتُستبدل بثقافة المدينة التى يصعُب أن تتحكم فيها معايير أو أخلاقيات أو قيم. ومن هنا تأتى معاناة الجيل الجديد الذي يفتقد الأنموذج المثالي الذي يشاهده من صغره لكي يسدَّ العديد من الثغرات التربوية، وليعوِّض غياب الوالدين الفعلي أو المعنوي. كل هذه العوامل تجعل من حلم سعفة ... حلم أي أب أو أم، وميثاق سعفة ... ميثاق الوطن.