الثلاثاء، 13 ديسمبر 2011

خواطر أكاديمية: تحديات غرس القيم الحميدة

خواطر أكاديمية

تحديات غرس القيم الحميدة

ديسمبر 2011

د. محمد بن سعد المعمري

لم تصنع المحاولات العديدة لتقنين وتنظيم ما يبث للنشء الجديد أنموذجاً وطنيًا يُعتدُّ به، فلم نرى ـ سابقاً ـ إلا ترجمات أو (دبلجات) لمنتجات عالمية جرى تطويعها قسراً لتناسب المجتمع، مما يستلزم أنموذجاً يستمد من تراب الوطن، ويتشرب قيمه ومعاييره لتقديم أنموذجًا مثاليًا للشخصية السعودية.. يُجسِّد أهدافها، ويُعبِّر عن قيمها، ويترجم مشاعرها، ويُنفِّس همومها، ويحمل طموحاتها، ويُمثلها في مناسباتها وقضاياها. إن ترسيخ المعايير الثقافية والاجتماعية والأخلاقية لأي مجتمع؛ ليس عملية سهلة، وإنما هو مخاض عسير. فتقاليد كل بيت تعد مكوناً رئيساً لنسيج المجتمع وثقافته، لذلك كان هذا النسيج سهل التكوين في الماضي الجميل إذ إن تكرار أنماط بسيطة في المجتمعات الصغيرة المغلقة، يُنتج نسيجاً اجتماعيًا متماثلاً يسعى الكل إلى احترامه وتقديره واتباع عاداته في ظل أعراف اجتماعية متوارثة يخشى الجميع تجاوزها؛ لأنها بثت في سنى العمر الأولى حتى نمت لتشكل مكوناً رئيسًا في شخصية الفرد. ومع انفتاح المجتمع وتعدد العوامل المؤثرة فيه ـ داخليًا أو خارجيًا ـ نجد أن العملية أصبحت أكثر تعقيداً مع تعدد ألوان النسيج الاجتماعى وأشكاله وتكوينه. فالنشء الجديد يتاثر الأن بالفضاء الإلكتروني الذي يعج بما لا يمكن إحصاؤه من القنوات الفضائية ذات الأيدولوجيات المتعددة، والأجندات الخفية المخيفة؛ أما عالم الأنترنت الافتراضي فبلا حدود أو معايير أو اخلاقيات، عالم يصعب التحكم فيه إلا بمنعه، وهذا يعد انتحاراً ثقافياً. كما أن المدارس أصبحت عالماً شائكاً يضم أطيافاً بخلفيات ثقافية واجتماعية وعقائدية متباينة، تتجاذب النشء يميناً ويسارأ. ومن المؤسف أن تختفي رقابة القرية القديمة حين كان الطفل لا يشعر باليتم لأن الجميع يرعاه ويتابعه ويحرص عليه، لتُستبدل بثقافة المدينة التى يصعُب أن تتحكم فيها معايير أو أخلاقيات أو قيم. ومن هنا تأتى معاناة الجيل الجديد الذي يفتقد الأنموذج المثالي الذي يشاهده من صغره لكي يسدَّ العديد من الثغرات التربوية، وليعوِّض غياب الوالدين الفعلي أو المعنوي.

السبت، 3 ديسمبر 2011

خبر: دورة الاتجاهات الحديثة في التعليم الطبي تعقد غي جدة

الاتجاهات الحديثة في التعليم الطبي

نظمت جامعة الملك سعود بن عبدالعزيز للعلوم الصحية بكلية الطب بجدة ندوة علمية عن الاتجاهات الحديثة في التعليم الطبي في نسختها الخامسة Innovative Concepts in Health Professional Education: 2011 وذلك خلال الفترة من السبت 26 إلى الأربعاء 30 ديسمبر 2011م. صرح بذلك وكيل الجامعة المساعد للشئون التعليمية الدكتور محمد بن سعد المعمري مشيراً إلى أن هذه الندوة تأتي في سياق جهود الجامعة وحرصها للرقي بالتعليم الصحي في المملكة ليصل إلى مستوى العالمية في معايير الجودة والتميز، وتعد هذه الندوة إحدى فعاليات البرنامج الشامل لمهارات أعضاء هيئة التدريس الذي تقوم به الجامعة منذ انشائها حيث تسقتطب نخبة من المتخصصين العالميين في مجال التعليم الطبي من جامعات عالمية عريقة للمشاركة في برامجها المتعددة. وأشار أن هذه البرنامج يلقى كل دعم من قبل معالي مدير الجامعة المدير العام التنفيذي للشؤون الصحية والمشرف على العيادات الملكية الدكتور بندر بن عبدالمحسن القناوي من أجل تهيئة بيئة أكاديمية متميزة للمدن الطبية التابعة للشؤون الصحية للحرس الوطني.

ومن جانبه أشار الأستاذ الدكتور حسن با عقيل عميد كلية الطب بجدة حيث عقدت الندوة بأن جلسات الندوة تتوزع بين أربعة محاور والعديد من ورش العمل. ويتناول المحور الأول أسس التعليم الطبي الفعال حيث سيتم مناقشة الهياكل والمناهج الأكاديمية لكليات الجامعة التى بُنيت على الاتجاهات الحديثة في التعليم الصحي وكيفية ادارتها والعمل على استمرارية تطويرها، وأنماط وأساليب التعليم الصحي وعلاقتها بالعملية التعليمية، وفهم المنطق والنظريات التي يقوم عليها التعليم الطبي المبني على البراهين، والتعليم التفاعلي وتطبيقاته، وحلقات النقاش الجماعي والحلقات الدراسية وتطبيقاتها في التعليم الطبي. أما المحور الثاني فسيتناول تطوير المناهج في التعليم الطبي من خلال التطرق إلى مفهوم ومستويات واليات تطوير الخبرات الطبية، والتفكير المنطقي والنظريات العلمية للتعليم السريري، مع عرض لتجربة الجامعة في إدراج مفاهيم البحث العلمي، وطب المجتمع، والتطوير المهني كعناصر أساسية في مناهج التعليم الطبي، وفهم الآليات والإجراءات التعليمية لتدريس وتقويم السلوكيات المهنية في مجال الطب، وإعداد وتقويم الأهداف التعليمية في مناهج التعليم الطبي. وسيتم التركيز على مهارات الإشراف على التعليم السريري في المحور الثالث، وسيناقش المشاركون في هذا المحور الفرص والتحديات والأساليب الفعالة في التعليم السريري، وتدريس وتعليم المهارات السريرية، وإعداد وتنفيذ المحاضرات والدروس التفاعلية، وأهمية ودور الإشراف في التعليم السريري، وأهمية ودور الإرشاد في التعليم السريري. وستنهي الندوة أعمالها بالمحور الرابع والذي سيخصص لتناول آليات وإجراءات التقويم في التعليم الطبي وكيفية هيكلة التقويم وتعزيز جودة محتواه.

خواطر أكاديمية: خير خلف لخير سلف

خواطر أكاديمية – د. محمد بن سعد المعمري

نوفمبر 2011

خير خلف لخير سلف

مشاعر مختلطة عشناها الايام الماضية، بين فرحة بسلامة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز –حفظه الله- بنجاح العملية التى تمت له بمدينة الملك العزيز الطبية للحرس الوطني، وحزن عميق لفراق الامير سلطان بن عبدالعزيز بعد معانة طويلة مع المرض. الأمير سلطان ذلك الأنسان الذي أقترن دوماً بالخير والعطاء، ولم يذكر إلا ونتستذكر ملحمة وطن بذل في خضمها سبعة عقود قضى جلها في الخوض عن كيان الوطن. لمسات إنسانية نراه وهو يداعب طفلاً معاقاً، أو يتكفل بحفر أبار للعطاشى في أفريقيا، أو بما يقدمه من خدمات أنسنانية عبر مؤسسته الخيرية. لحظات حزينة عشناها منذ أعلن خبر انتقاله لمثواه الاخير حتى حط جثمانه أرض الوطن وورى في ثراه. أفواج كبيرة كانت متواجدة كل الوقت يتقدمهم خادم الحرمين الشريفين في لمسة وفاء أخوية أبى إلا ان يكون مع الجميع رغم فترة النقاهة التى يقضيها.

ومع أن المصاب جلل، إلا أن الوطن لملم أحزانه، وألتمت الأسرة المالكة ممثلة بهيئة البيعة لتبارك لخادم الحرمين الشريفين تعيينه أخاه صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز ولياً للعهد نائباً لرئيس مجلس الوزراء ووزيراً للداخلية. والأمير نايف رجل دولة بكل ما تحمل الكلمة، وهو غنى عن التعريف ويكفى أن يذكر أسمه حتى يبرز الأمن والأمان وحماية الوطن ومحاربة الارهاب كإنجازات شهد لها القاصي قبل الداني. ملفات كثيرة وإنجازات أكثر في مجالات عديدة مثل الإعلام والشؤون الاسلامية والتنمية البشرية وحل معضلة البطالة وغيرها كثير. ومع كل ما مرت به المنطقة من أزمات في الفترة الماضية، نجد أن سفينة الوطن استطاعت بحول الله وتوفيقه من عبور أمواجه العاتية هادئة مطمئنة مدعمة بتماسك الجميع وتلاحمهم مع قيادتهم. وما زاد تلك السفينة ثباتاً مقدرة مؤسسة الحكم على الانتقال السلس والهاديء لولاية العهد من خير خلف لخير سلف تحت مظلة خادم الحرمين الشريفين –حفظه الله- الذي اعتدنا منه حنكته وبعد نظره في تعيينه من هو أهل لحمل المسؤولية بكل جدارة واستحقاق.

فمثل الأمير نايف نهنئ به الوطن والمواطن لما يحمل من حب وخير واخلاص قل أن يوجد مثله.

الاثنين، 3 أكتوبر 2011

المدونة الصحية الاكاديمية - د. محمد بن سعد المعمري: خواطر أكاديمية: عام جديد ومحطات عديدة للوطن

المدونة الصحية الاكاديمية - د. محمد بن سعد المعمري: خواطر أكاديمية: عام جديد ومحطات عديدة للوطن: خواطر أكاديمية عام جديد ومحطات عديدة للوطن أكتوبر 2011 د. محمد بن سعد المعمري مع ترحيبنا بمن أنضم إلى الجامعة من طلاب وطالبات في...

خواطر أكاديمية: عام جديد ومحطات عديدة للوطن

خواطر أكاديمية

عام جديد ومحطات عديدة للوطن

أكتوبر 2011

د. محمد بن سعد المعمري

مع ترحيبنا بمن أنضم إلى الجامعة من طلاب وطالبات في مختلف الكليات وبرامج الدراسات العليا في العام الأكاديمي 2011/2012، نبارك لأنفسنا وللوطن بعدة مناسبات منها عيد الفطر المبارك أعاده الله علينا وعليكم باليمن والمسرات، وكذلك اليوم الوطنى تلك الذكرى العزيزة على قلوبنا التى تحمل عبق التاريخ على مدى ثمانية عقود بما تحمله من تفاصيل ملحمة قل أن يجود التاريخ بمثلها انطلقت قبل أكثر من قرن ليعيد المؤسس توحيد أرجاء الوطن في نسيج متناسق متكامل وكيان فرض مكانته عاليا اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا. جاء المؤسس برؤية انبثقت من عزيمة صادقة قوية تُبشر ببزوغ فجر جديد يلُم أرجاء الوطن في مشروع عالمي له اولوياته ومصالحه وصداقاته.

إن الراصد لمسيرة وطن في عام مضى ليجد محطات عديدة تستحق التوقف عندها مثل استمرا التوسع الكمي والكيفي في التعليم العالي بحيث نقترب من توفر مقعد لكل طالب، وكذلك استمرار برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث حيث يقارب من انظموا له مائة وعشرون ألف مبتعث. ومثلما شهدنا افتتاح جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية العام الماضي، نشهد هذا العام افتتاح مشروع جبار أخر وهو جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن الذي يعد علامة بارزة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز. وكان هناك أيضا قرارات ذات بعد استراتيجي بعيد الأمد تتعامل مع معضلة توفير السكن للمواطنين عبر برنامج طموح متعدد الأبعاد، وكذلك التعامل مع البطالة بشكل جدي بعد اعلان حجم تلك المشكلة لتعطى دلالة على جدية تلك القرارات التى تُعنى بإيجاد حلول فاعلة لها. ولا بد من الاشارة إلى قرار خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبدالعزيز الذي اعلنه في اليوم الوطني عند تشريفه لمجلس الشورى بتعزيز دور المرأة في المجتمع عبر مشاركتها في مجلس الشورى والمجالس البلدية، والذي تجاوز –حفظه الله- سقف توقعات المراقبين، ويمهد للمزيد من مشاركة المرأة في المسؤولية الاجتماعية. وتوجت مسيرة هذا العام بموقف رائع تمثل في اللحمة بين الوطن والمواطن وبين الشعب وقيادته التى عززت من قدرة سفينة الوطن من عبور أمواج عاتية مرت بها المنطقة، وتزيد من زخم قدرتنا على تحقيق العديد من الانجازات وتجاوز الكثير من التحيديات.

مرجع شامل للتعايش مع أمراض الصدر

مرجع شامل للتعايش مع أمراض الصدر

صدر حديثاً للدكتور/ محمد بن سعد المعمري الأستاذ المشارك واستشاري الأمراض الصدرية بجامعة الملك سعود بن عبدالعزيز للعلوم الصحية كتاب "التأهيل التنفسي: المرجع الشامل للتعايش مع أمراض الصدر" الذي يعد مرجعاً شاملاً للممارسين الصحيين في مجال أمراض الصدر مثل: معالجي الجهاز التنفسي، العلاج الطبيعي، التمريض، الأطباء المهتمين بهذا المجال. كما يقدم مادة علمية لطلاب وطالبات المجالات المذكورة سابقاً، عطفاً على ما يمثله من أهمية لمرضى الصدر الراغبين في الحصول على المعلومة الموثقة عن مرضهم وكيفية التعامل معه، واعتمد المؤلف على أفضل المراجع العلمية وأحدثها عند تأليفها مع تدعيمه بالبراهين العلمية الموثوقة. وتأتي أهمية الكتاب بتأكيده على أن الرعاية الطبية المقدمة لمريض الصدر لا تقتصر على الأدوية فقط؛ بل تشمل عدة جوانب اجتماعية وثقافية ووقائية. لذلك اهتم بتغطيتها في ستة عشر فصلاً من الحجم المتوسط وبإخراج حديث مع تحديد الأهداف التعليمية والمهارات لكل فصل فيه. ويجدر بالذكر أن برنامج التأهيل التنفسي يعد برنامجاً شاملاً يقدمه ممارسون صحيون يمثلون عدة تخصصات صحية، ويُوجَّه للمصابين بأمراض الصدر المزمنة حيث تُصمم تلك البرامج وتنفذ مراعية الفروق الفردية بين المرضى، ومستهدفة تحسين أدائهم البدني والاجتماعي، ورفع قدراتهم على التحكم الذاتي بالمرض.

الثلاثاء، 17 مايو 2011

خواطر أكاديمية: زوال محفزات التميز

خواطر أكاديمية

زوال محفزات التميز

يونيو 2011

د. محمد بن سعد المعمري

إن العوامل التى تؤدي إلى الابداع متى ما وُظفت بطريقة فاعلة ستُؤتي ثمارها بالوصول إلى التميز بأفضل النتائج. لكن تلك العوامل لا تؤدى دوماً إلى نتائج ايجابية مستمرة، فلكل عامل دورة زمنية يختلف مداه بإختلاف العامل. معرفة دورته الطبيعية له أهمية كبري في البيئة الأكاديمية. فعند بداء تأثير أي منها تكون المحفزات حاضرة والزخم كبير، ويكون منحنى تأثيره ايجابياً ومتسارعاً، ومع تحقيق معظم الاهداف وزوال أسباب المحفزات، يتحول التأثير من إيجابي إلى محايد لبعض الوقت، ثم يبداء بالذبول والزوال. العوامل المحفزة ربما كانت خارجية ناتجة عن السعي إلى إثبات الوجود أو التنافس أو التطور في المجال، وكذلك قد تكون داخلية بسبب الاستمتاع والرغبة في العمل لعدم رتباته. فلو أخذنا تأثير التقييم الاسباني (webometrics) على الجامعات السعودية كمثال للعوامل الخارجية لوجدنا تاثيره السحري عليها بحيث أحدثت ثوره عبر تطبيق بعض المعايير العالمية وبالتالي إحداث ثورة في الجوانب التقنية والمحتوى المعرفى في مواقعها. لكن نلاحظ أن زخم هذ العامل وتأثيره الاعلامي بداء بالنضوب، فمن نشر إعلانات مدفوعة الثمن وبكافة الالوان في الصحف لابراز انجازاتها، نلاحظ أن هناك إهمال إعلامي تام. مثال أخر للعوامل المحفزة هو التحدى الذي تواجه الجامعات الناشئة لاثبات وجودها أمام جامعات لها باع طويل في المجال الاكاديمي وسبقتها بأميال عديدة، فتجد أن العاملين يتفانون في العمل ويستمرون ليلاً ونهاراً وخلال اوقات راحتهم لاثبات وجودهم كرقم مهم في معادلة الجامعات القائمة. وفي الغالب فإن تلك الجامعات الناشئة تحرص على تقديم نتائج سريعة وايجابية ومميزة وتحرص على ابرازها اعلامياً، لكن إذا كانت تلك النتائج مبنية على أعمال فردية ولم تُبنى على أُسس مؤسسية ومن خلال أليات واضحة وعبر تهيئة مدروسة لمنسوبي الجامعة من أكاديمين وغيرهم؛ فإن تأثيرها سيكون قصير الأمد ويزول سريعاً. إن التهاون في احداث تحديات جديدة يساهم في تراجع أي موسسة أكاديمية عبر تحول الطرق الابداعية مع مرور الزمن الى طرق تقليدية يسهل على منافسين اخرين تجاوزهم. لذا يقع على عاتق القيادات الأكاديمية مسؤولية كبيرة بالحرص على استمرار التأثير الايجابي لأي محفز لأطول فترة ممكنة أو إحداث محفزات جديدة تحافظ على زخم الانتاجية، ولإقرار حوافز للعاملين تُسهم في الوصول إلى روح التنافس الايجابي من خلال بيئة أكاديمية تعاونية.

مقابلة: اليوم العالمي للربو

http://www.okaz.com.sa/new/Issues/20110516/Con20110516419804.htm


احتفل العالم مؤخراً باليوم العالمي للربو تحت شعار "بإمكانك السيطرة على الربو" بغرض توعية المجتمع وخاصة مرضى الربو وذويهم للتحكم والسيطرة على أزمات الربو، وتجنب المهيجات قدر المستطاع، بالإضافة إلى تقليل العبء الناتج عن الإصابة بالمرض وتبعات العلاج والتنويم وغيره، خاصة وان التقديرات الصادرة من منظمة الصحة العالمية تشير إلى أن هناك نحو 300 مليون شخص في العالم يعانون حالياً من الربو. لذا كان لنا وقفة مع الدكتور محمد بن سعد المعمري الاستاذ المشارك و استشارى الامراض الصدرية لتسليط الضوء على المرض بطريقة أشمل.

الربو مرض مزمن يصيب الرئتين ويؤثر على القصبات الهوائية التي تحمل الهواء داخل وخارج الرئة كما هو معروف... حدثنا أكثر عن هذا المرض؟

يعد الربو من أكثر الامراض انتشارا، وتختلف نسبة انتشاره من مكان لآخر، وتقدر نسبته من 5-20%. وأهم أعراض الربو نوبات من السعال وضيق النفس وصفير في الصدر، تحدث بعد تعرض المصاب بالمرض لمهيجات متعددة مثل نزلات البرد والتعرض للغبار والبثور وغيرها. وينبغى ملاحظة أن مهيجات الربو تختلف من شخص إلى أخر؛ لذا ينبغى أن يسعى كل مصاب بالربو الى تحديد تلك المسببات وتجنبها.

ما هي أسباب حدوث الربو؟ وهل من عوامل معينة يجب أخذها بعين الاعتبار تجعل بعض الفئات أكثر عرضة للمرض من غيرها؟

الربو ينتج عن تضيق في القصبات الهوائية بسبب التهاب وحساسية فيها، تتحسن بعد استخدام موسعات القصبات الهوائية. ويعتقد ان هناك عامل وراثي حيث تزيد احتمالية الاصابة به في من كان والديه مصاب بأحد أمراض الحساسية. كما أن بعض العاملين في الصناعات التى تؤدي الى الربو ولديهم قابلية للمرض ربما يعانون منه، ويسمى الربو الناتج عن العمل. مما يساعد ايضا على حدوث الازمات الاصابة بالتهاب الجيوب الانفية أو تراجع أحماض المعدة. وهناك أيضا ايضا مرضى يعانون من ازمات موسمية تحصل في بعض المواسم مثل بداية موسمي الربيع والخريف. وخلاصة القول أن العوامل المؤثرة عديدة ويتم تحديدها بأخذ قصة الحالة المرضية بشكل مفصل للتعامل معها.

في بعض الحالات قد لا نعرف ما المسبب الحقيقي لمرض الربو، كيف يمكننا التحكم به؟

بغض النظر عن مسبب الربو فإن طرق العلاج مقننة وتتلخض في تحديد المهيجات ومحاولة تجنبها. كما ان العلاج يرتكز على التقليل من التهاب وتحسس القصبات الهوائية. وأهم علاج يعتمد علية هو البخاخ المحتوى على الكورتيزون، وأنواعه عديدة. وفي الحالات الأشد حدة، يضاف موسع القصبات الهوائية طويل الامد، وتوجد تلك البخاخات مجمعة، وأهم عامل في العلاج هو الانتظام على الاستخدام حسب وصفة الطبيب. وتتوافر ادوية عديدة مساندة لبعض الحالات يستخدمها الطبيب للوصول لتحكم أفضل بالمرض. كما ان التحكم ببعض الامراض التى ربما أدت لعدم التحكم بالمرض تساعد المريض ومن أمثلتها التهاب الجيوب الانفية وتراجع أحماض المعدة.

ما هي الأعراض التي تدل على ان الشخص مصاب بالربو أو تنبئ بحدوث نوبة الربو عند المصابين به ؟

أعراض الربو عديدة مثل نوبات من السعال وضيق في التنفس وصفير في الصدر تتحسن من نفسها لكن في الغالب تستدعى تدخلا طبيا للتعامل معها. كما أن بعض المصابين يكون لديهم سعال بعد أداء التمارين يستمر من دقائق الى ساعة وقد يصحب بصفير في الصدر. كما أن الاعراض قد تحدث على هيئة سعال في الليل خاصة عند الاطفال. أما بالنسبة لنوبات الربو فتبدأ عادة بضيق في التنفس مع احتياج أكبر للبخاخات الموسعة للقصبات الهوائية وحدوث أعراض الربو في الليل، ويعد المريض شريكا في العلاج، فعندما يتم تثقيفه عن مرضه، فإنه يستطيع التعامل مع الازمات مبكرا والتخلص منها.

هل من مضاعفات خطيرة يمكن أن تحدث لمرضى الربو؟

مضاعفات المرض تحدث عند اهمال العلاج بحيث تؤدى الى تضيق مزمن يصعب علاجة ويؤدى على نقص متدرج في وظائف الرئتين، ويمكن المحافظة على تلك الوظائف شبه الطبيعة بالانتظام على البخاخ الحاوى على الكورتيزون. أما اهمال علاج أزمات الربو فيؤدى الى تدهور حاد في الجهاز التنفسي ربما أدى الى عواقب وخيمة.

وماذا عن النسبة التي وصلت إليها الإصابة بهذا المرض في المملكة العربية السعودية؟

نسبة الاصابة بالمرض تختلف من منطقة ألى أخرى وتتروح بين 5-20% لدى أطفال المدارس، ومن الملاحظ عالمياً أن نسبة الاصابة بإزدياد. وعند الحديث عن الارقام نجد انه من المناسب توضيح ان بعض الدراسات المحلية بينت ان قرابة ثلثى مرضى الربو لا يوجد لديهم تحكم تام بالمرض، كما ان دراسة أخرى أوضحت مستوى المعرفة الكامل عن مرض الربو لدى أطباء الرعاية الاولية يقارب 50%. هذة الارقام والحقائق تبين اهمية حملات التوعية والتثقيف عن مرض الربو والحرص على تكثيفها لما لذلك من أهمية كبرى.

وماذا عن التبعات والتكاليف الخاصة بعلاج مرضى الربو وتنويمهم في المملكة؟

تكلفة مرض الربو تنقسم الى تكلفة مباشرة وغير مباشرة، وتشمل التكلفة المباشرة العلاج والتنويم وزيارة الاسعاف والفحوصات الخاصة بالمرض. ويستهلك العلاج في الاسعاف والمستشفى أغلب التكلفة التى تقدر بأكثر من مليار ريال، وكون مرض الربو من أكثر الأمراض انتشارا ونسبة الإصابة به بازدياد، فتتمثل معاناة المريض في تعرضه لأزمات صحية متكررة مما يؤدي إلى تأثير سلبي على نوعية حياة المريض بسبب عدم قدرته على أداء مهام حياته اليومية وغيابه عن عمله إذا كان موظفا أو عن المدرسة إذا كان طالبا. وبذلك تكون أبعاد مرض الربو ليست صحية فقط بل اقتصادية بتحميل أي نظام صحي عبئا اقتصاديا كبيرا نظرا لكثرة الحالات التي تراجع المستشفيات والمراكز الصحية طلبا لعلاج وإسعاف الحالات الحادة.

هل يمكن ان نقي أنفسنا الإصابة بهذا المرض؟

تعد البخاخات أهم أدوية الربو المستخدمة، وتتوافر بأنواع عديدة وكثيرة. لكن العناية بمرض الربو ليست أدوية فقط بل هي متعددة المراحل والمستويات وتصل إلى شراكة مترابطة بين المريض والعاملين في المجال الصحي للوصول إلى أفضل حالة صحية ممكنة. إن التوعية عن مرض الربو بمفهومها الشامل من أهم الجوانب التي لا تلقى حيزا كبيرا من الاهتمام، فعلى سبيل المثال عيادات الربو التي تقدم رعاية كاملة وشاملة لا تقتصر على تقديم الوصفات فقط للمريض، لا توجد إلا في مراكز محدودة وأغلبها بجهود فردية. لذا يعد التركيز عليها من أهم الجوانب التى تعزز الجانب الوقائي. فكثير من الدراسات بينت أن نسبة عالية من المرضى لا يعرفون الطريقة السليمة للبخاخ. وهذا يضع مسؤولية كبيرة ومضاعفة على العاملين في القطاع الصحي للتأكد من أن العلاج يستخدم بالطريقة السليمة. الجانب التثقيفي الأخر الذي يعزز من جانب الوقاية هو تطبيق خطة علاج الربو الذاتية التي تسهم في تعامل المريض بشكل مبكر مع أزمات الربو قبل استفحالها، ويتم ذلك عبر بطاقة خاصة لكل مريض وتحتوى على تعليمات تعطى له تبين العلامات الأولية للأزمات وكيفية التعامل معها ومتى يطلب المريض المساعدة من طبيبه أو المبادرة بالذهاب للإسعاف.

ما هو الدور الذي يجب ان تلعبه أسرة المريض المصاب بالربو باعتبارها شريك رئيسي ومهم؟

أهم جانب في علاج مرض الربو بناء شراكة فاعلة بين الطبيب والمريض أو من يعوله وذلك بتعزيز جوانب التثقيف الصحي والانتظام على الأدوية وتجنب المهيجات. كما أن تطبيق خطة علاج الربو الذاتية تسهم في تعامل المريض بشكل مبكر مع أزمات الربو قبل استفحالها، ويتم ذلك عبر بطاقة خاصة لكل مريض وتحتوى على تعليمات تعطى له تبين العلامات الأولية للأزمات وكيفية التعامل معها ومتى يطلب المريض المساعدة من طبيبه أو المبادرة بالذهاب للإسعاف. فمثلا ينصح المريض بمضاعفة جرعة البخاخ الحاوي على الكورتيزون لمدة اسبوعين عند حدوث ازمات الربو، وبعض المرضى ربما وصف لهم الطبيب اقراص احتياطية من الكورتيزون لاستخدامها حال حدوث الازمة حتى يتمكن المريض من الحصول على رعاية طبية عاجلة.

حملة وسع صدرك أي دور تلعبه في توعية شريحة المجتمع وتحديدا المستهدفة؟

إن برنامج التثقيف والتوعية بمرض الربو يحتوي على معلومات محددة وبسيطة، إلا أن انتشار مرض الربو يتطلب جهودا كبيرة وواسعة من أجل الوصول إلى أكبر عدد من الأشخاص، فتطبيق الجوانب التوعية المذكورة سابقا ليست بالسهولة المتوقعة، فهي تتطلب العمل الجماعي المدعوم من الجهات المعنية على أكثر من محور. ولقد تبنت الجمعية السعودية لطب وجراحة الصدر ممثلة بمجموعة المبادرة السعودية للربو حملة توعوية شاملة أطلقت عليها "وسع صدرك" تهدف إلى تثقيف العاملين في القطاع الصحي عبر عقد الندوات والملتقيات للمهتمين بالربو لنقاش كافة الجوانب الطبية والاجتماعية والتنظيمية الخاصة بالمرض، وكذلك مناقشة أي مستجدات وتوصيات عالمية في هذه الفعاليات. وتشمل الجوانب التوعوية أيضا إعداد نشرات وكتيبات عن مرض الربو من قبل مختصين في المجال الصحي وبالتعاون مع المهتمين بالجوانب التوعوية بشكل عام. ودشنت الجمعية فعاليات برنامج "وسع صدرك"التوعي و الذى تزامن مع فعاليات اليوم العالمي للرب, وذلك وبالتعاون مع شركة أسترا زينيكا العالمية لكي تكون حملة مستمرة لا تقتصر على جهود يوم واحد بل تستمر لفترة أطول حتى تحقق معظم أهدافها.

الخميس، 14 أبريل 2011

خواطر أكاديمية: تكامل القطاعين الصحي والتعليمي

خواطر أكاديمية

تكامل القطاعين الصحي والتعليمي

د. محمد بن سعد المعمري

أبريل 2011

يقف القطاع الصحي في المملكة العربية السعودية الآن على عتبات طفرة كبيرة نتيجة للدعم الحكومي السخي الذي أعلنه خادم الحرمين الشريفين مؤخراً عبر حزمة أوامر ملكية كريمة هدفت إلى ترقيته توسيعًا لدائرة الرخاء والرفاهية التي يتمتع بها المواطن. وتجلَّت إرهاصات هذه الطفرة في تغطيتها للمناطق كافة بمراكز طبية متقدمة ومتخصصة. ولتعزيز القيمة المضافة لهذه المشاريع الجبارة؛ فإن تكاملها مع التعليم الصحي المهني يعدُّ ذا أهمية كبيرة فيما يتعلق بزيادة الطاقة الاستيعابية للكليات الصحية وإتاحة أماكن تعليم وتدريب لطلاب المهن الصحية وبرامج الدراسات العليا. وما لم يؤخذ ذلك في الحسبان عند إنشاء تلك المؤسسات؛ فسنفقد فرصة ذهبية في أن تكتسب المنشآت الصحية الجديدة بُعدًا تعليميًّا وتدريبيًّا، ويتحقق ذلك عبر رسم رؤى واستراتيجيات تدعم الجانب البحثي والتعليمي والتدريبي، ويبدأ ذلك بفتح باب الابتعاث المبكر لإعداد قيادات صحية وإدراية ومهنية تتولى مسؤولية وإدارة تلك المنشآت التي تقع في نطاق جغرافي غير بعيد من المدن الجامعية تسهيلاً لعملية التواصل بينها، مع مراعاة أن تحتوى المدن الصحية عند إعداد تصاميمها على تجهيزات تساعد على التعليم والتدريب كقاعات النقاش والفصول الذكية وقاعات المحاضرات. كما أن استحداث مراكز للمحاكاة السريرية تسعى إلى تحقيق مستويات عالية من سلامة المريض، ومن ثمَّ التقليل من الأخطاء الطبية، ويتيح في الوقت نفسه المجال أمام العاملين والمتعلمين في تلك المناطق للافادة من تلك الإمكانيات. وعلى العكس من المعايير التي وضعتها الهيئة السعودية للتخصصات الصحية عن عدد الأسِرَّة مقابل المتدربين في كل تخصص، لا توجد معايير واضحة لعددها مقابل الطلاب المتدربين، وتُقدِّر بعض المراجع ألاَّ يتجاوز عدد المقبولين سنوياً لكليات الطب مائة طالب لكل 500 سرير، لذا يعدُّ توافر عدد كاف من الأسرَّة لتدريب الطلاب هاجسًا مقلقًا للقائمين على العملية التعليمية في قطاع التعليم العالي الصحي. وعند تصميم رؤوية استراتيجية للتكامل بين المدن الجامعية والمدن الطبية في مناطق المملكة، فإن كل منهما سيعزِّز الآخر بحيث تضيف الجامعات للقطاعات الصحية البعد الاكاديمي والبحثي، مما ينعكس إيجاباً على نوعية الخدمات المقدمة، وفي المقابل تزداد القدرة الاستيعابية للتخصصات الصحية عبر تأمين أماكن تدريب أكثر، والاستفادة من الخبرات الموجودة في المنشآت الصحية في الجانب التعليمي، والمحصلة النهائية لهذا التكامل قيمة اضافية لكلا القطاعين.

الأحد، 3 أبريل 2011

المدونة الصحية الاكاديمية - د. محمد بن سعد المعمري: زاوية حروف من قلم: عندما تتجاوز الارادة طموحاتنا

المدونة الصحية الاكاديمية - د. محمد بن سعد المعمري: زاوية حروف من قلم: عندما تتجاوز الارادة طموحاتنا: "عندما تتجاوز الارادة طموحاتنا د. محمد بن سعد المعمري قبل سنوات مضت؛ كانت الإمكانات عائقًا أمام طموحاتنا، أما اليوم، فوفرة المتاح من..."

زاوية حروف من قلم: عندما تتجاوز الارادة طموحاتنا

عندما تتجاوز الارادة طموحاتنا

د. محمد بن سعد المعمري

قبل سنوات مضت؛ كانت الإمكانات عائقًا أمام طموحاتنا، أما اليوم، فوفرة المتاح منها يجعلنا أمام تحدى كبير لنحقق ما نطمح إليه... فحزمة الأوامر الملكية التى أعلنها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز على دفعتين؛ وضعت السلطات التنفيذية بالقطاعات الحكومية والخاصة أمام تحدٍّ كبير لتلبية إرادة ملك يسعى إلى بناء الوطن والإنسان، وقد تجاوز مداها سقف توقعات المراقبين بمراحل، وتميَّزت بشموليتها ورحابتها وغاياتها الرامية إلى تحقيق الاحتياجات الآنية للمواطنين، ووضع حلول جذرية لبعض الملفات العالقة لفترة طويلة.

وقد راعت حزمة القرارات السابقة تخصيص دعم سخي لمعالجة النقص الحاصل في القطاع الصحي، إذ لم يتم الاكتفاء بالمنشآت التى يجري تنفيذها في الوقت الحالي؛ بل رُصد دعمٌ مقدر لهذا القطاع بلغ 16 مليار ريال بغرض إنشاء مدن تخصصية للرعاية المتقدمة في المناطق الرئيسية عبر مراكز متخصصة تتعامل مع أمراض العصر وهي أمراض القلب وأمراض الجهاز العصبي. فأغلب أسِرَّة المستشفيات يشغلها ـ لفترات طويلة ـ مرضى الجلطات وأمراض الجهاز العصبي المزمنة، وهدفت هذه المبادرة إلى التعامل مع الضغوط التى يتعرض لها النظام الصحي عبر مراكز صحية متقدمة ومهيأة لإيجاد الحلول المناسبة. كما أُضيفت أعداد كبيرة من أسِرَّة العناية المركزة تخفيفًا للعبء على المستشفيات التخصصية بالمدن الرئيسة.

أما ملف الاسكان الذي يشكل معاناة حقيقية لكثير من المواطنين، أمكن الآن التعامل معه بحكمة تمثلت في زيادة عدد القروض وقيمتها عبْر صندوق التنمية العقاري، وبناء نصف مليون وحدة سكنية في المحافظات السعودية المختلفة بواسطة هيئة الإسكان. ولا شك أن ضخامة مخصصات برامج الإسكان تستنفر قطاع الإنشاء في المملكة العربية السعودية وتضعه على المحك لتلبية الرغبة القوية لخادم الحرمين الشريفين في تهيئة السكن المناسب لكل مواطن.

وكانت مشكلة البطالة حاضرة في مخيلة خادم الحرمين الشريفين؛ فوضع لها ضوابط تعزز من دائرة الفرص الوظيفية للباحثين عن عمل مع تحديد حدٍّ أدنى للاجور، وتشريع أو استحداث إعانة للعاطلين عن العمل. وفي الجانب التشريعي، فإن إنشاء هيئة لمكافحة الفساد يعطي بعداً إضافياً لتلك القرارت لضمان تنفيذها وتقريرها على أتم وجه خلال الفترة المقترحة.

إن حزمة القرات الأخيرة أضافة تفاصيل أكثر للمشهد السعودي العام الذي لا تزال معالمه تتشكل من خلال الورشة الضخمة التى تسعى إلى إكمال تلك المشاريع الجبارة في مجالات عديدة مثل التعليم بقطاعيه العام والعالي، ومشاريع الطرقات، والمدن الصناعية، والمطارات وغيرها مما يصعب حصره. كما تم التعامل مع هذه الملفات برؤية استراتيجية واضحة لتحقيق تكامل الخدمات في كافة المناطق حيث نجد مشاريع قائمة أو على وشك التنفيذ للمدن الجامعية، والمدن الصناعية، والمركز الطبية، والمطارات مما يعزز برامج التنمية المستدامة في هذه المناطق، ويقلل معدلات الهجرة للمدن الرئيسة التى تعاني ضغطًا كبيرًا على خدماتها، وربما أدى ذلك إلى هجرة عكسية إلى تلك المناطق. فحقاً إنها إرادة قائد يحمل رؤية واضحة لبناء الوطن والإنسان.

الجمعة، 25 مارس 2011

تغيرات الأجواء تزيد المعانة من مرض الربو

البعد الاقتصادي لمرض الربو والاستراتجيات الوطنية

تغيرات الأجواء تزيد المعانة من مرض الربو

د. محمد بن سعد المعمري

جامعة الملك سعود بن عبدالعزيز للعلوم الصحية

إن استمرار موجة الغبار والعواصف الرملية يُبرز مرض الربو ومعاناة المرضى من أزماته، و كذلك حاجتهم إلى الرعاية الشاملة. فمفهوم الرعاية الشاملة للمرض يتجاوز الرعاية الطبية المباشرة إلى نظرة شمولية من كافة النواحي الصحية والنفسية والاقتصادية. فمع النمو السكاني وازدياد تكلفة الرعاية الصحية، يصبح من الضروري إيجاد أفضل السبل للوصول إلى أكبر شريحة من مستحقيها مع تقديم أفضل رعاية صحية. ويعد مرض الربو أحد أفضل الأمثلة لما يتطلبه من رعاية شاملة متعددة الطبقات ومن جهات عديدة.

فلقد بينت دراسة محلية أن نسبة انتشار مرض الربو عند الأطفال ارتفعت من 8% عام 1986م إلى 23% عام 1995م، وربط هذا الأرتفاع بالعوامل البيئية وكذلك إلى التطور الذي حصل في العملية التشخيصية، إن هذه الأرقام لابد أن تثير الإنتباة والاهتمام والقلق في نفس الوقت، ويرجع ذلك إلى أن انتشار مرض الربو غدا هماً عالميا؛ فعلى سبيل المثال، أظهرت إحدى الدراسات الأمريكية أن نسبة تشخيص المرض عند كل 1000 شخص ارتفعت من 35% عام 1982م إلى 50% عام 1992. والقلق من هذه الأرقام والحقائق ليس بسبب ارتفاعها فقط بل من الزيادة المضطردة لهذه النسب من عقد إلى آخر، ولاستمرار العوامل المسببة لها أيضا. وتوجد العديد من الدراسات تدعم هذه الحقيقة من دول مختلفة مثل: بريطانيا وكندا واستراليا ونيوزلندا وألمانيا وغيرها.

فمرض الربو أحد أكثر الأمراض المزمنة أنتشارا وينتج من إلتهاب القصبات الهوائية وما يسببه من أعراض مختلفة مثل ضيق في النفس وصفير في الصدر تتطور أحيانا إلى أزمات تستعدى زيارة الطبيب أو أقسام الطوارئ أو التنويم. وتتأثر نوعية الحياة لدى المصابين بمرض الربو بسبب عدم قدرتهم على ممارسة حياتهم بشكل طبيعي. إن عدم التحكم بالمرض عند قطاع كبير من المرضى يؤدى إلى ارتفاع تكلفته. ويسبب ذلك قلقا لدى المشرعيين الصحيين بسبب الخشية من أن يتجاوز العبء الاقتصادي للمرض الإمكانيات المتاحة، وما ينتج عنه من الضغط على النظام الصحي، وبالتالي تتأثر الرعاية الطبية المقدمة لهذه الشريحة من المرضى.

إن التكلفة الناتجة عن مرض الربو تنقسم إلى تكلفة مباشرة وتكلفة غير مباشرة؛ التكلفة المباشرة تتكون من زيارات الطبيب الغيرمبرمجة، وزيارات أقسام الطوارئ للتعامل مع الأزمات، والتنويم في أجنحة المستشفى وفي أقسام العناية المركزة للحالات الحرجة. ولو أخذنا مثالاً واحد وهو تكلفة سرير العناية المركزة التي تقدر بنحو (5000) ريال سعودي في اليوم الواحد، فبذل الجهود لتفادى يوم واحد على هذا السرير يوفر قيمة أدوية الربو لمدة لا تقل عن سنتين لمريض واحد. أما التكلفة الغير مباشرة فتنتج عن غياب الموظف عن عمله، والمدرس عن مدرسته، والعامل عن مصنعه، والطالب عن مدرسته. وإذ كان التحكم بالربو غير جيداً، فإن أداء الموظف أو المدرس أو العامل يتأثر سلباً وبالتالي إنتاجيته تتراجع عن أقرانه ونوعية حياته تكون أسوء. ومن المقلق أن دراسة قام بها كاتب المقال أظهرت أن نحو نصف المرضى السعوديين المصابين بالربو الذين راجعوا مركزا طبيا متقدما لم يكن المرض لديهم متحكماً به.

بينت أيضاَ العديد من الدراسات أن التكلفة المباشرة للمرض تقدر بنحو 80% من التكلفة الكلية، وغالبية هذه التكلفة تأتي من التنويم في المستشفى وزيارة أقسام الطوارئ؛ أما النسبة المتبقية البالغة نحو 20% فناتجة عن التكلفة الغير مباشرة للمرض وما تمثله من عبء اقتصادي غير ملحوظ وغير محسوب. ويبين الجدول الملحق نسبة التكلفة مفصلة

التكلفة

النسبة

التكلفة المباشرة

- تكلفة العيادات الخارجية

9 – 19%

- زيارات الإسعاف

5 – 6%

- التنويم

29 – 48%

- الأدوية

14 – 18%

- المجموع

62 – 88%

التكلفة غير المباشرة

- الأيام المفقودة من ربات المنزل

1 – 8%

- أيام الغياب عن العمل

4 – 5%

- أيام الغياب عن المدرسة

3 – 12%

- أخرى

5 – 10%

المجموع

11 – 38%

وتستهلك شريحة المرضى شديدي الحدة الغير متحكم بمرضهم معظم الإمكانات المتاحة لمرضى الربو. بينت إحدى الدراسات الأمريكية أن التكلفة السنوية لمريض واحد من هذه الشريحة تتجاوز عشرين ضعفا لمريض واحد حدة المرض لديه خفيفة. أما التكلفة السنوية لأدوية الربو فقط للحالات الخفيفة داخل المملكة العربية السعودية فتقدر مابين 500 إلى 1500 ريال، والحالات المتوسطة فتقدر ما بين 2500 إلى 3500 ريال، والحالات شديدة الحدة فتتجاوز 5000 ريال، وهذه التكلفة لا تشمل زيارة الطبيب أو الإسعاف أو التنويم. علما بأن أغلب تكلفة الحالات شديدة الحدة ناتجة من التنويم في المستشفى أو زيارات الإسعاف المتكررة. كما أن دراسات أخرى بينت أن أغلب مرضى الربو استخدموا الأدوية المريحة فقط من أعراض المرض؛ بحيث أن البخاخ المريح المعروف بـ (الفنتولين) كان أكثر الأدوية استخداماً، ويعد ذلك أحد أسباب عدم التحكم بالمرض. أما الأدوية المتحّكمة بالمرض والتي ينصح الأطباء باستخدامها فلم تكن بالنسبة المتوقعة، ويؤدى عدم الانتظام على هذه النوعية من الأدوية إلى تبعات سلبية على صحة المريض وتعرضه لازمات الربو.

ولا يوجد لدينا إحصائيات حديثة محلية تبين مدى انتشار المرض، لكن نستنبط من المعطيات المتوافرة أن المصابين بمرض الربو في مدينة مثل الرياض يتجاوز نصف مليون من السكان، ولنا أن نتخيل مدى العبء الذي يمثله المرض خاصة في ظل تقلبات الأجواء والظروف الجوية غير المواتية، وكذلك التكلفة الاقتصادية التى قدرتها بعض الدراسات المحلية بقرابة ثلاثة مليارات ريال.

وماذا بعد استعراض هذه الحقائق ؟

تستدعى هذه الحقائق التعامل مع مرض الربو على أكثر من مستوى وأن تكون رسالة ورؤية الاستراتجيات الوطنية واضحة ومحددة، وتهدف إلى الوصول إلى تحكم أفضل بمرض الربو ونوعية حياة أفضل لمرضى الربو، وستكون نتيجة تلك الاستراتجيات حتما ايجابية بمفهوم الرعاية الشاملة المتعددة الأبعاد من صحية ونفسية واقتصادية. فكون أغلب التكلفة من شريحة الحالات المتوسطة أو شديدة الحدة والتي يتم علاجها غالباً في المستشفيات، فلابد من السعي الحثيث لنشر عيادات متخصصة في علاج الربو تهتم بتوعية المريض عن مرضه وتثقيفه عن طبيعته ، فالانتظام على الأدوية المتحكمة بالربو والتعامل المبكر مع أزمات الربو يمنع تطورها وبالتالي يتجنب المريض الذهاب إلى الإسعاف والمستشفى وما يتبعه من ارتفاع في تلك التكلفة. فكما ذكر سابقاً أن تكلفة يوم واحد في العناية المركزة تؤمن أدوية الربو لمدة سنتين. إن هذه العيادات المتخصصة توجد في بعض المستشفيات ولكن نظراً لانتشار المرض ولما يمثله من عبء على المريض وعلى النظام الصحي، فإن نشرها سيكون له مردود كبير. أما الجانب الآخر فهو توفير الأدوية المتحكمة بالربو والحرص على توافرها بأسعار معقولة وفي متناول المريض لكي تهيئ له الظروف المواتية للانتظام على علاجه للوصول إلى تحكم أفضل بالمرض. كذلك لابد من تكثيف حملات التوعية طوال العام للوصول إلى أكبر شريحة من الأشخاص الذين يعانون منه.

إن الوصول إلى تحكم أفضل بمرض الربو سينعكس إيجاباً على نوعية حياة المصابين به، ويقلل من معاناتهم الناتجة عن أزماته. وهذا بالتالي يقلل من عبئه الاقتصادي على النظام الصحي، وبالتالي الاستخدام الأفضل والارشد للإمكانات المتاحة، وهذه نتيجة هامة لما نلاحظ من ضغط ملحوظ على المستشفيات والمراكز الصحية.