الجمعة، 25 مارس 2011

تغيرات الأجواء تزيد المعانة من مرض الربو

البعد الاقتصادي لمرض الربو والاستراتجيات الوطنية

تغيرات الأجواء تزيد المعانة من مرض الربو

د. محمد بن سعد المعمري

جامعة الملك سعود بن عبدالعزيز للعلوم الصحية

إن استمرار موجة الغبار والعواصف الرملية يُبرز مرض الربو ومعاناة المرضى من أزماته، و كذلك حاجتهم إلى الرعاية الشاملة. فمفهوم الرعاية الشاملة للمرض يتجاوز الرعاية الطبية المباشرة إلى نظرة شمولية من كافة النواحي الصحية والنفسية والاقتصادية. فمع النمو السكاني وازدياد تكلفة الرعاية الصحية، يصبح من الضروري إيجاد أفضل السبل للوصول إلى أكبر شريحة من مستحقيها مع تقديم أفضل رعاية صحية. ويعد مرض الربو أحد أفضل الأمثلة لما يتطلبه من رعاية شاملة متعددة الطبقات ومن جهات عديدة.

فلقد بينت دراسة محلية أن نسبة انتشار مرض الربو عند الأطفال ارتفعت من 8% عام 1986م إلى 23% عام 1995م، وربط هذا الأرتفاع بالعوامل البيئية وكذلك إلى التطور الذي حصل في العملية التشخيصية، إن هذه الأرقام لابد أن تثير الإنتباة والاهتمام والقلق في نفس الوقت، ويرجع ذلك إلى أن انتشار مرض الربو غدا هماً عالميا؛ فعلى سبيل المثال، أظهرت إحدى الدراسات الأمريكية أن نسبة تشخيص المرض عند كل 1000 شخص ارتفعت من 35% عام 1982م إلى 50% عام 1992. والقلق من هذه الأرقام والحقائق ليس بسبب ارتفاعها فقط بل من الزيادة المضطردة لهذه النسب من عقد إلى آخر، ولاستمرار العوامل المسببة لها أيضا. وتوجد العديد من الدراسات تدعم هذه الحقيقة من دول مختلفة مثل: بريطانيا وكندا واستراليا ونيوزلندا وألمانيا وغيرها.

فمرض الربو أحد أكثر الأمراض المزمنة أنتشارا وينتج من إلتهاب القصبات الهوائية وما يسببه من أعراض مختلفة مثل ضيق في النفس وصفير في الصدر تتطور أحيانا إلى أزمات تستعدى زيارة الطبيب أو أقسام الطوارئ أو التنويم. وتتأثر نوعية الحياة لدى المصابين بمرض الربو بسبب عدم قدرتهم على ممارسة حياتهم بشكل طبيعي. إن عدم التحكم بالمرض عند قطاع كبير من المرضى يؤدى إلى ارتفاع تكلفته. ويسبب ذلك قلقا لدى المشرعيين الصحيين بسبب الخشية من أن يتجاوز العبء الاقتصادي للمرض الإمكانيات المتاحة، وما ينتج عنه من الضغط على النظام الصحي، وبالتالي تتأثر الرعاية الطبية المقدمة لهذه الشريحة من المرضى.

إن التكلفة الناتجة عن مرض الربو تنقسم إلى تكلفة مباشرة وتكلفة غير مباشرة؛ التكلفة المباشرة تتكون من زيارات الطبيب الغيرمبرمجة، وزيارات أقسام الطوارئ للتعامل مع الأزمات، والتنويم في أجنحة المستشفى وفي أقسام العناية المركزة للحالات الحرجة. ولو أخذنا مثالاً واحد وهو تكلفة سرير العناية المركزة التي تقدر بنحو (5000) ريال سعودي في اليوم الواحد، فبذل الجهود لتفادى يوم واحد على هذا السرير يوفر قيمة أدوية الربو لمدة لا تقل عن سنتين لمريض واحد. أما التكلفة الغير مباشرة فتنتج عن غياب الموظف عن عمله، والمدرس عن مدرسته، والعامل عن مصنعه، والطالب عن مدرسته. وإذ كان التحكم بالربو غير جيداً، فإن أداء الموظف أو المدرس أو العامل يتأثر سلباً وبالتالي إنتاجيته تتراجع عن أقرانه ونوعية حياته تكون أسوء. ومن المقلق أن دراسة قام بها كاتب المقال أظهرت أن نحو نصف المرضى السعوديين المصابين بالربو الذين راجعوا مركزا طبيا متقدما لم يكن المرض لديهم متحكماً به.

بينت أيضاَ العديد من الدراسات أن التكلفة المباشرة للمرض تقدر بنحو 80% من التكلفة الكلية، وغالبية هذه التكلفة تأتي من التنويم في المستشفى وزيارة أقسام الطوارئ؛ أما النسبة المتبقية البالغة نحو 20% فناتجة عن التكلفة الغير مباشرة للمرض وما تمثله من عبء اقتصادي غير ملحوظ وغير محسوب. ويبين الجدول الملحق نسبة التكلفة مفصلة

التكلفة

النسبة

التكلفة المباشرة

- تكلفة العيادات الخارجية

9 – 19%

- زيارات الإسعاف

5 – 6%

- التنويم

29 – 48%

- الأدوية

14 – 18%

- المجموع

62 – 88%

التكلفة غير المباشرة

- الأيام المفقودة من ربات المنزل

1 – 8%

- أيام الغياب عن العمل

4 – 5%

- أيام الغياب عن المدرسة

3 – 12%

- أخرى

5 – 10%

المجموع

11 – 38%

وتستهلك شريحة المرضى شديدي الحدة الغير متحكم بمرضهم معظم الإمكانات المتاحة لمرضى الربو. بينت إحدى الدراسات الأمريكية أن التكلفة السنوية لمريض واحد من هذه الشريحة تتجاوز عشرين ضعفا لمريض واحد حدة المرض لديه خفيفة. أما التكلفة السنوية لأدوية الربو فقط للحالات الخفيفة داخل المملكة العربية السعودية فتقدر مابين 500 إلى 1500 ريال، والحالات المتوسطة فتقدر ما بين 2500 إلى 3500 ريال، والحالات شديدة الحدة فتتجاوز 5000 ريال، وهذه التكلفة لا تشمل زيارة الطبيب أو الإسعاف أو التنويم. علما بأن أغلب تكلفة الحالات شديدة الحدة ناتجة من التنويم في المستشفى أو زيارات الإسعاف المتكررة. كما أن دراسات أخرى بينت أن أغلب مرضى الربو استخدموا الأدوية المريحة فقط من أعراض المرض؛ بحيث أن البخاخ المريح المعروف بـ (الفنتولين) كان أكثر الأدوية استخداماً، ويعد ذلك أحد أسباب عدم التحكم بالمرض. أما الأدوية المتحّكمة بالمرض والتي ينصح الأطباء باستخدامها فلم تكن بالنسبة المتوقعة، ويؤدى عدم الانتظام على هذه النوعية من الأدوية إلى تبعات سلبية على صحة المريض وتعرضه لازمات الربو.

ولا يوجد لدينا إحصائيات حديثة محلية تبين مدى انتشار المرض، لكن نستنبط من المعطيات المتوافرة أن المصابين بمرض الربو في مدينة مثل الرياض يتجاوز نصف مليون من السكان، ولنا أن نتخيل مدى العبء الذي يمثله المرض خاصة في ظل تقلبات الأجواء والظروف الجوية غير المواتية، وكذلك التكلفة الاقتصادية التى قدرتها بعض الدراسات المحلية بقرابة ثلاثة مليارات ريال.

وماذا بعد استعراض هذه الحقائق ؟

تستدعى هذه الحقائق التعامل مع مرض الربو على أكثر من مستوى وأن تكون رسالة ورؤية الاستراتجيات الوطنية واضحة ومحددة، وتهدف إلى الوصول إلى تحكم أفضل بمرض الربو ونوعية حياة أفضل لمرضى الربو، وستكون نتيجة تلك الاستراتجيات حتما ايجابية بمفهوم الرعاية الشاملة المتعددة الأبعاد من صحية ونفسية واقتصادية. فكون أغلب التكلفة من شريحة الحالات المتوسطة أو شديدة الحدة والتي يتم علاجها غالباً في المستشفيات، فلابد من السعي الحثيث لنشر عيادات متخصصة في علاج الربو تهتم بتوعية المريض عن مرضه وتثقيفه عن طبيعته ، فالانتظام على الأدوية المتحكمة بالربو والتعامل المبكر مع أزمات الربو يمنع تطورها وبالتالي يتجنب المريض الذهاب إلى الإسعاف والمستشفى وما يتبعه من ارتفاع في تلك التكلفة. فكما ذكر سابقاً أن تكلفة يوم واحد في العناية المركزة تؤمن أدوية الربو لمدة سنتين. إن هذه العيادات المتخصصة توجد في بعض المستشفيات ولكن نظراً لانتشار المرض ولما يمثله من عبء على المريض وعلى النظام الصحي، فإن نشرها سيكون له مردود كبير. أما الجانب الآخر فهو توفير الأدوية المتحكمة بالربو والحرص على توافرها بأسعار معقولة وفي متناول المريض لكي تهيئ له الظروف المواتية للانتظام على علاجه للوصول إلى تحكم أفضل بالمرض. كذلك لابد من تكثيف حملات التوعية طوال العام للوصول إلى أكبر شريحة من الأشخاص الذين يعانون منه.

إن الوصول إلى تحكم أفضل بمرض الربو سينعكس إيجاباً على نوعية حياة المصابين به، ويقلل من معاناتهم الناتجة عن أزماته. وهذا بالتالي يقلل من عبئه الاقتصادي على النظام الصحي، وبالتالي الاستخدام الأفضل والارشد للإمكانات المتاحة، وهذه نتيجة هامة لما نلاحظ من ضغط ملحوظ على المستشفيات والمراكز الصحية.

الخميس، 10 مارس 2011

حروف من قلم: نأسف ... لا نستطيع علاجك

زاوية: حروف من قلم

نأسف ... لا نستطيع علاجك

د. محمد بن سعد المعمري

ابريل 2011

عند اقترابه من احد المطارات، طلب كابتن الطائرة من الخدمات الارضية سيارة اسعاف لأحد الركاب ... اتضح لاحقاً أن قائد الطائرة هو من كان يعاني من علامات ازمة قلبية وتصرف بإنسانية رأفة بالركاب ورغبة بأن لا يسبب قلقاً لطاقم طائرته وركابها ... نقلته سيارة الاسعاف الى مستوصف قريب ... طمئنوه بأن حالته لا تستدعى القلق وخرج يمشى على رجليه لكن لم يتعامل أحد منهم مع وضعه بالطريقة السليمة ... بعد ساعات ازداد الالم، نقله اصدقائه مضيفي الطائرة الى اقرب مستشفى الذي رفض علاجه بسبب ان شركته لم تدفع مستحقاتهم ... ينقله صحبه الى مستشفى أخر، فيفارق الحياة في الطريق. روح فقدت بسيناريو محزن، لكنه يكشف جوانب نقص عديدة ويوضح لنا عدم اهتمام باهمية جودة الاداء وأمانته التى لو طبقت على وجهها الصحيح لتلافينا فقدان روح شخص منتج كان بالامكان اتخاذ الاجراء المناسب لتقديم الرعاية له.

عند عملنا تحليل جذري بسيط وسريع للمشكلة التى ربما مرت مرور الكرام، نكتشف الكثير من جوانب القصور في الاداء، هل تم عمل فحص دوري للكابتن من قبل شركة الطيران؟ ... الذى لولا رحمة الله بالركاب لحصلت الحادثة وهم في الاجواء وحصل ما لا يحمد عقباه. هل تم تهيئة اسعاف المطار الدولي ومستوصفه بالامكانات المناسبة للكشف عن تلك الازمة القلبية في بدايتها؟ ... والذي لو حدث لامكن اسعافه او ارساله الى المكان المناسب. هل وفر فندق الخمسة النجوم امكانية الوصول الى الرعاية الطبية لنزلائه والتعامل مع مثل تلك الحالة الطارئة؟ ... والتى لو عملت لتم نقله بسيارة اسعاف مجهزة. هل أمنت تلك الشركة العالمية التأمين اللازم لمنوسوبيها؟ ... والذي يفترض ان تكون رعاية كابتن طائرة كاملة وشاملة، هل تعامل المستشفى الذي رفض علاجه وتعالى على الجوانب الانسانية وتناسى تعليمات وزارة الصحة بعلاج الحالات الاسعافية أو على أقل تقدير نقله بإسعافه؟. حادثة رويت على بضع سطور في الصحف ومصيرها النسيان بعد فترة قليلة، لكنها تحمل بين طياتها أسئلة كثيرة تكشف لنا جوانب القصور في الاداء، وتبين لنا أيضاً ضعف الترابط والانسجام بين أطراف عديدة يفترض فيها أن تكون السلامة شعارها الأول. لو حدثت هذه الحالة في مكان أخر لتسابق المحامين على تبنيها، وحسب سياق الحدث سيجدوا العديد من الثغرات والاخطاء لكسب القضية. والأهم من ذلك هل ستقوم الجهة المعنية بعمل حلول جذرية لتلافي حدوث هذه المشكلة مرة أخرى والتى ربما أدت الى كارثة كبيرة لولا لطف الله بالركاب؛ أما الأهم ما هو مصير عائلة كابتن الطائرة ومن سيقدم العزاء والمواساة لهم في فقد عائلهم.

أنثر تلك الحروف من قلمي، ولا أملك إلا عرض التساؤولات العديدة والكثيرة، ولا أملك اجابة!