الثلاثاء، 13 ديسمبر 2011

خواطر أكاديمية: تحديات غرس القيم الحميدة

خواطر أكاديمية

تحديات غرس القيم الحميدة

ديسمبر 2011

د. محمد بن سعد المعمري

لم تصنع المحاولات العديدة لتقنين وتنظيم ما يبث للنشء الجديد أنموذجاً وطنيًا يُعتدُّ به، فلم نرى ـ سابقاً ـ إلا ترجمات أو (دبلجات) لمنتجات عالمية جرى تطويعها قسراً لتناسب المجتمع، مما يستلزم أنموذجاً يستمد من تراب الوطن، ويتشرب قيمه ومعاييره لتقديم أنموذجًا مثاليًا للشخصية السعودية.. يُجسِّد أهدافها، ويُعبِّر عن قيمها، ويترجم مشاعرها، ويُنفِّس همومها، ويحمل طموحاتها، ويُمثلها في مناسباتها وقضاياها. إن ترسيخ المعايير الثقافية والاجتماعية والأخلاقية لأي مجتمع؛ ليس عملية سهلة، وإنما هو مخاض عسير. فتقاليد كل بيت تعد مكوناً رئيساً لنسيج المجتمع وثقافته، لذلك كان هذا النسيج سهل التكوين في الماضي الجميل إذ إن تكرار أنماط بسيطة في المجتمعات الصغيرة المغلقة، يُنتج نسيجاً اجتماعيًا متماثلاً يسعى الكل إلى احترامه وتقديره واتباع عاداته في ظل أعراف اجتماعية متوارثة يخشى الجميع تجاوزها؛ لأنها بثت في سنى العمر الأولى حتى نمت لتشكل مكوناً رئيسًا في شخصية الفرد. ومع انفتاح المجتمع وتعدد العوامل المؤثرة فيه ـ داخليًا أو خارجيًا ـ نجد أن العملية أصبحت أكثر تعقيداً مع تعدد ألوان النسيج الاجتماعى وأشكاله وتكوينه. فالنشء الجديد يتاثر الأن بالفضاء الإلكتروني الذي يعج بما لا يمكن إحصاؤه من القنوات الفضائية ذات الأيدولوجيات المتعددة، والأجندات الخفية المخيفة؛ أما عالم الأنترنت الافتراضي فبلا حدود أو معايير أو اخلاقيات، عالم يصعب التحكم فيه إلا بمنعه، وهذا يعد انتحاراً ثقافياً. كما أن المدارس أصبحت عالماً شائكاً يضم أطيافاً بخلفيات ثقافية واجتماعية وعقائدية متباينة، تتجاذب النشء يميناً ويسارأ. ومن المؤسف أن تختفي رقابة القرية القديمة حين كان الطفل لا يشعر باليتم لأن الجميع يرعاه ويتابعه ويحرص عليه، لتُستبدل بثقافة المدينة التى يصعُب أن تتحكم فيها معايير أو أخلاقيات أو قيم. ومن هنا تأتى معاناة الجيل الجديد الذي يفتقد الأنموذج المثالي الذي يشاهده من صغره لكي يسدَّ العديد من الثغرات التربوية، وليعوِّض غياب الوالدين الفعلي أو المعنوي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق