الأحد، 27 سبتمبر 2009

تقرير: تعزيز مهارات أعضاء التدريس في العملية الاكاديمية

تعزيز مهارات أعضاء التدريس في العملية الاكاديمية

د. محمد بن سعد المعمري


تكمن أهم عناصر العملية التعليمية في الطالب والمعلم والمنهج، ومع تطور مفاهيم التعليم في العقود الماضية؛ اتخذ المعلم أهمية كبيرة بُغية الوصول إلى مخرجات تعليمية متميزة، وفضلا عن ذلك فقد حدثت تغييرات كبيرة في العملية التعليمية بعد تحولها من الاعتماد على المعلم إلى الاعتماد على الطالب، لذا لم تعد معلومات المعلم وخبرته كافيتين للوصول إلى مرحلة التميز؛ بل أصبح من اللازم والملح تعزيز مهاراته وتطوير قدراته ليكون عنصرًا موجِّهًا لطالبه لا ملقنًا له. وتنبَّهت كلية الطب بجامعة الملك سعود بن عبد العزيز للعلوم الصحية في وقت مبكر إلى هذا المفهوم المعاصر، فعملت على تطبيق مناهج حديثة ومتطورة تعتمد على استثارة فكر الطالب وتحريك طاقاته الذهنية كي يستوعبها ويتفاعل معها بسهولة وسلاسة من خلال الوسائل والأوعية التقنية المتاحة له بما يدعم ويؤكد إمكانية الوصول إلى تطبيقات متطورة في التعليم.
واستشعرت الجامعة مبكرًا أهمية مواكبة طرق التعليم وترقية قدرات أعضاء هيئة التدريس لتلك المناهج؛ فركزت على تحديث أساليب نقل وتوصيل المعلومة للطلاب، وعلى تعزيز مهارات أعضاء هيئة التدريس وتنمية خبراتهم. وبتطبيق مدينة الملك عبد العزيز الطبية بالحرس الوطني تميزها بتطبيق أعلى المعايير المهنية، استطاعت استقطاب أفضل الخبرات الطبية مما أهَّلها إلى الريادة فيما يتعلق بالرعاية الصحية المتقدمة، وإلى أن تنال قصب السبق والتفوق والشهرة في العديد من المجالات مثل زراعة الأعضاء والكلى والكبد وفصل التوائم السيامية وعمليات القلب المفتوح والعناية الحرجة وطب الاسعاف وغيرها، وأصبحت بذلك مرجعية عالمية ضمن قائمة المراكز الدولية المتخصصة والمرموقة. كما أن المشاريع الجبارة التى تبنى الان ستزيد الطاقة الاستيعابية للمدينة من قرابة 850 سريرا إلى قرابة 1400 سرير عبر العديد من المراكز التخصيصية مثل مستشفى الملك عبدالله التخصصي للاطفال ومستشفى الرعاية الصحية والعديد من التوسعات في الاسعاف والعناية الحرجة. كما حققت كذلك تقدمًا ملموسًا ومميزًا في برامج التدريب للدراسات العليا منذ إنشائها في منتصف الثمانينيات الميلادية بحيث شملت في وقتنا الحالى كافة التخصصات الرئيسة والعديد من الخصصات الفرعية الدقيقة، ويقدر بإن قرابة ربع المتدربين على مستوى الوطن يقضوت تدريبهم في مدن الملك عبدالعزيز الطبي.
وعزز هذا التميز سعي كلية الطب إلى تعزيز مهارات أعضاء هيئة التدريس في مختلف جوانب التعليم وطرقه الحديثة، وانطلقت رؤيتها إلى ذلك من مفهوم مؤسسي بحيث تُحدَّد أهداف هذا البرنامج بوضوح ليخدم التوجهات والتطلعات، ولقى دعم كبيرا وذللة الصعوبات أمامه لكي يخدم المسسة. وصمِّم البرنامج بحيث يقدِّم دورات أساسية في التعليم عامة والتعليم المبني على حل المشكلات من خلال ابتعاث أعضاء هيئة التدريس لحضور دورات متقدمة في الجامعات التي تهتم بهذا المجال مثل جامعة ماسترخت بهولندا، ومن ثم تكوين نواة تقود هذه العملية، وتم استقطاب خبرات كبيرة في مجال التعليم الطبي لتدعم عملية التطوير، وتبع ذلك تنظيم دورة حول الاتجاهات الإبداعية في التعليم الطبي حضرها حتى الآن 180 من أعضاء هيئة التدريس بالرياض فرعي الجامعة بجدة والأحساء، إضافة إلى بعض زملائهم بالجامعات السعودية، ودعى الى اليها خبرات عالمية رائدة في هذا المجال، مع تفريغ كامل لأعضاء هيئة التدريس من مهامهم خلال تلك الفترة رغبة في زيادة تحصيلهم. كما عقدت دورات عديدة متخصصة استهدفت تسهيل عملية إدارة المناهج الأكاديمية بحيث يتم توحيد الطرق التى يتم فيها رعاية الدورات والمنهج حسب أفضل المعايير المتاحة وعبر دعوت الخبرات التى ساهمت في وضع أسس هذا المجال، ودورات أخرى أساسية عقدها أعضاء هيئة التدريس ثم دورات متقدمة دُعيت إلى المشاركة فيها خبرات عالمية مثل الأستاذ الدكتور كلارك هزلت والأستاذ الدكتور كيس فان ديرفلينتن وبذل يتم الابتعاد عن المفهوم التقليدى بأن المعلم هو المسؤول الكامل عن الامتحانات الى مفهوم جديد يتم فيه اعداد الامتحانات عبر لجان تسعى الى ربط الاسئلة بالاهداف التعليمية والى أن يكون التقويم والامتحان أحد المحفزات الى التعلم مع التركيز على أهمية التغذية الراجعة، وكذلك عقدت دورات في إعداد الحالات التعليمية ودورة للمشرفين على المناهج شارك في تقديمها الأستاذ الدكتور أنيكا وفهيجن والأستاذ الدكتور ديان دولمنز، وذلك بسبب ان التعليم المبنى على حل المشكلات يعتمد على اعداد حالات ذات محتوى تعليمي محدد، ويناقشها الطلاب لتثير عملية التحفيز الذهنى، واعداد هذه الحالات أو المشاكل يتطلب مهارات خاصة في المناهج التعليمية والقدرة على الكتابة ومعرفة شروطها مع توافر الخبرة في مجال وتخصص الحالة. إضافة إلى دورات في محاور مهنية ودور الطبيب في المجتمع والتى ميزت منهج كلية الطب عن العديد من مناهج كليات المنطقة بحيث أن الطالب يعى أهمية دوره في خدمة المجتمع وكيف يتعامل بمهنية عالية وكيف يقدم دائما سلامة المريض. واستمر تنظيم هذه الدورات عبر برنامج شامل ومتميز عبر تركيز الكلية على مجموعات من أعضاء هيئة التدريس في مختلف التخصصات من أجل تطوير خبراتهم لكي يقوموا بتكوين الخبرات اللازمة لقيادة عملية التطوير الشاملة التى تقوم الكلية في العديد من المجالات المتخصصه، وحرصت في الوقت نفسه على عقد جلسات نقاش وعمل أسبوعية بحضور أعضاء هيئة التدريس بغرض تقوية أواصر التواصل، ولم تغفل في هذا المنحى عن المشاركة في المحافل العالمية عبر حضور الندوات والمؤتمرات وورش العمل الجماعية لتمثيل الوطن بخبرات وطنية رائدة في العديد من المؤتمرات في مختلف دول العالم، ومن أمثلة ذلك المؤتمر المشترك الذي استضافته جامعة سيدني بأستراليا على هامش فعاليات مؤتمر أوتوا للتعليم الطبي العالمي، وفيه تم استعراض تجربة كليات الطب الرائدة في تطبيق مناهج من بيئات مختلفة وكيفية تطويعها، وقد لقى هذا المؤتمر تقبلا وتقديرا للعلمية التطويرية الشاملة التى تقوم بها جامعة الملك سعود بن عبدالعزيز للعلوم الصحية.
ويعد برنامج ماجستير التعليم الطبي رائدًا ومميزًا فيما يتعلق بتأهيل حوالي 50 عضو هيئة تدريس للتخصص في هذا المجال، ولم تغفل الجامعة الجانب الوطني؛ إذ خصصت مقاعد لأعضاء هيئة التدريس في العديد من الجامعات استشعارًا منها لأهمية هذا التخصص. ومما يدعو للفخر أنه أول برنامج للتعليم الطبي على مستوى الوطن، ويشكل على العديد من الدورات في كافة مجالات التعليم الطبي مع قيام كافة الملتحقين بهذا البرنامج بعمل بحث يساهم في عملية تطوير الجامعة، مثل إحدى رسائل المجاستير عن التقوييم الطلابي والاشراف في المراحل السريرة تحت أشراف أحد أفضل الخبرات العالمية والذي أسهم في أدخال طرق تقويم حديثة لقيت استحسانا كبيرا من الطلاب وأعطت دعما كبيرا عند القيام بعملية الاعتماد الاكاديمي. كما هيئة الكلية الفرصة لبعض اعضاء هيئة التدريس لتقديم مشاريع رسائل دكتوراة في العديد من مجالات التعليم الطبي والتى من المتوقع أن تثرى الحراك العلمي في هذا المجال وتسقطب له العديد من المختصين الذين سيدفعون عجلة التطوير.
ولا شك أن تعزيز مهارات أعضاء هيئة التدريس جانب مهم وملح باعتباره داعمًا للعملية التعليمية بعد أن انتقلت مهمات أعضاء هيئة التدريس إلى التوجيه بدلاً من التلقين، ولعلنا نرى نتيجة هذا التوجه ظاهرة للعيان وتنعكس بجلاء في تحقيق خريجي الدفعة الأولى بالكلية إلى نتائج باهرة في امتحان القبول الشامل الذي عقدته الهيئة السعودية للتخصصات الطبية بإحرازهم للمركز الأول متفوقين على زملائهم في الكليات النظيرة، وتجسد كذلك في مشاركة الكلية الفاعلة في المؤتمر الطلابي الذي عقد في مدينة العين بدولة الأمارات العربية المتحدة والتي اعتبرت الأكبر والأوسع بين جامعات المنطقة برغم حداثة الكلية، ويعود ذلك إلى كفاءة وتميز أعضاء هيئة التدريس الذين تفتخر بهم الجامعة.
كما أن التقرير الأولي للمنظمة الدولية للتعليم الطبي التي تولت حديثًا تقييم كلية الطب يعدُّ علامة مميزة ومفخرة للكلية بعد أن حصلت على أعلى المعايير المهنية في المجال الأكاديمي، وركز فريق التقويم على تفوق الكلية في برنامج تعزيز قدرات ومهارات أعضاء هيئة التدريس في بيئة أكاديمية راقية متمثلة في مدينة الملك عبد العزيز الطبية بالحرس الوطني، وهذا بلا شك يعكس حرص القيادة واهتمامها بالتعليم العام والعالي، وما يحظى به من دعم سخي ومستمر من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وولي عهده الأمين حفظهما الله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق