الأحد، 27 سبتمبر 2009

موضوع طبي: البعد الاقتصادي لمرض الربو والاستراتجيات الوطنية

البعد الاقتصادي لمرض الربو والاستراتجيات الوطنية
تغيرات الأجواء تزيد المعانة من المرض
د. محمد بن سعد المعمري
جامعة الملك سعود للعلوم الصحية

إن استمرار موجة الغبار والعواصف الرملية يُبرز مرض الربو ومعاناة المرضى من أزماته، و كذلك حاجتهم إلى الرعاية الشاملة. فمفهوم الرعاية الشاملة للمرض يتجاوز الرعاية الطبية المباشرة إلى نظرة شمولية من كافة النواحي الصحية والنفسية والاقتصادية. فمع النمو السكاني وازدياد تكلفة الرعاية الصحية، يصبح من الضروري إيجاد أفضل السبل للوصول إلى أكبر شريحة من مستحقيها مع تقديم أفضل رعاية صحية. ويعد مرض الربو أحد أفضل الأمثلة لما يتطلبه من رعاية شاملة متعددة الطبقات ومن جهات عديدة.

فلقد بينت دراسة محلية أن نسبة انتشار مرض الربو عند الأطفال ارتفعت من 8% عام 1986م إلى 23% عام 1995م، وربط هذا الأرتفاع بالعوامل البيئية وكذلك إلى التطور الذي حصل في العملية التشخيصية، إن هذه الأرقام لابد أن تثير الإنتباة والاهتمام والقلق في نفس الوقت، ويرجع ذلك إلى أن انتشار مرض الربو غدا هماً عالميا؛ فعلى سبيل المثال، أظهرت إحدى الدراسات الأمريكية أن نسبة تشخيص المرض عند كل 1000 شخص ارتفعت من 35% عام 1982م إلى 50% عام 1992. والقلق من هذه الأرقام والحقائق ليس بسبب ارتفاعها فقط بل من الزيادة المضطردة لهذه النسب من عقد إلى آخر، ولاستمرار العوامل المسببة لها أيضا. وتوجد العديد من الدراسات تدعم هذه الحقيقة من دول مختلفة مثل: بريطانيا وكندا واستراليا ونيوزلندا وألمانيا وغيرها.

فمرض الربو أحد أكثر الأمراض المزمنة أنتشارا وينتج من إلتهاب القصبات الهوائية وما يسببه من أعراض مختلفة مثل ضيق في النفس وصفير في الصدر تتطور أحيانا إلى أزمات تستعدى زيارة الطبيب أو أقسام الطوارئ أو التنويم. وتتأثر نوعية الحياة لدى المصابين بمرض الربو بسبب عدم قدرتهم على ممارسة حياتهم بشكل طبيعي. إن عدم التحكم بالمرض عند قطاع كبير من المرضى يؤدى إلى ارتفاع تكلفته. ويسبب ذلك قلقا لدى المشرعيين الصحيين بسبب الخشية من أن يتجاوز العبء الاقتصادي للمرض الإمكانيات المتاحة، وما ينتج عنه من الضغط على النظام الصحي، وبالتالي تتأثر الرعاية الطبية المقدمة لهذه الشريحة من المرضى.

إن التكلفة الناتجة عن مرض الربو تنقسم إلى تكلفة مباشرة وتكلفة غير مباشرة؛ التكلفة المباشرة تتكون من زيارات الطبيب الغيرمبرمجة، وزيارات أقسام الطوارئ للتعامل مع الأزمات، والتنويم في أجنحة المستشفى وفي أقسام العناية المركزة للحالات الحرجة. ولو أخذنا مثالاً واحد وهو تكلفة سرير العناية المركزة التي تقدر بنحو (5000) ريال سعودي في اليوم الواحد، فبذل الجهود لتفادى يوم واحد على هذا السرير يوفر قيمة أدوية الربو لمدة لا تقل عن سنتين لمريض واحد. أما التكلفة الغير مباشرة فتنتج عن غياب الموظف عن عمله، والمدرس عن مدرسته، والعامل عن مصنعه، والطالب عن مدرسته. وإذ كان التحكم بالربو غير جيداً، فإن أداء الموظف أو المدرس أو العامل يتأثر سلباً وبالتالي إنتاجيته تتراجع عن أقرانه ونوعية حياته تكون أسوء. ومن المقلق أن دراسة قام بها كاتب المقال أظهرت أن نحو نصف المرضى السعوديين المصابين بالربو الذين راجعوا مركزا طبيا متقدما لم يكن المرض لديهم متحكماً به.

بينت أيضاَ العديد من الدراسات أن التكلفة المباشرة للمرض تقدر بنحو 80% من التكلفة الكلية، وغالبية هذه التكلفة تأتي من التنويم في المستشفى وزيارة أقسام الطوارئ؛ أما النسبة المتبقية البالغة نحو 20% فناتجة عن التكلفة الغير مباشرة للمرض وما تمثله من عبء اقتصادي غير ملحوظ وغير محسوب.وتستهلك شريحة المرضى شديدي الحدة الغير متحكم بمرضهم معظم الإمكانات المتاحة لمرضى الربو. بينت إحدى الدراسات الأمريكية أن التكلفة السنوية لمريض واحد من هذه الشريحة تتجاوز عشرين ضعفا لمريض واحد حدة المرض لديه خفيفة. أما التكلفة السنوية لأدوية الربو فقط للحالات الخفيفة داخل المملكة العربية السعودية فتقدر مابين 500 إلى 1500 ريال، والحالات المتوسطة فتقدر ما بين 2500 إلى 3500 ريال، والحالات شديدة الحدة فتتجاوز 5000 ريال، وهذه التكلفة لا تشمل زيارة الطبيب أو الإسعاف أو التنويم. علما بأن أغلب تكلفة الحالات شديدة الحدة ناتجة من التنويم في المستشفى أو زيارات الإسعاف المتكررة. كما أن دراسات أخرى بينت أن أغلب مرضى الربو استخدموا الأدوية المريحة فقط من أعراض المرض؛ بحيث أن البخاخ المريح المعروف بـ (الفنتولين) كان أكثر الأدوية استخداماً، ويعد ذلك أحد أسباب عدم التحكم بالمرض. أما الأدوية المتحّكمة بالمرض والتي ينصح الأطباء باستخدامها فلم تكن بالنسبة المتوقعة، ويؤدى عدم الانتظام على هذه النوعية من الأدوية إلى تبعات سلبية على صحة المريض وتعرضه لازمات الربو.

ولا يوجد لدينا إحصائيات حديثة محلية تبين مدى انتشار المرض، لكن نستنبط من المعطيات المتوافرة أن المصابين بمرض الربو في مدينة مثل الرياض يتجاوز نصف مليون من السكان، ولنا أن نتخيل مدى العبء الذي يمثله المرض خاصة في ظل تقلبات الأجواء والظروف الجوية غير المواتية، وكذلك التكلفة الاقتصادية التى قدرتها بعض الدراسات المحلية بقرابة ثلاثة مليارات ريال.


وماذا بعد استعراض هذه الحقائق ؟

تستدعى هذه الحقائق التعامل مع مرض الربو على أكثر من مستوى وأن تكون رسالة ورؤية الاستراتجيات الوطنية واضحة ومحددة، وتهدف إلى الوصول إلى تحكم أفضل بمرض الربو ونوعية حياة أفضل لمرضى الربو، وستكون نتيجة تلك الاستراتجيات حتما ايجابية بمفهوم الرعاية الشاملة المتعددة الأبعاد من صحية ونفسية واقتصادية. فكون أغلب التكلفة من شريحة الحالات المتوسطة أو شديدة الحدة والتي يتم علاجها غالباً في المستشفيات، فلابد من السعي الحثيث لنشر عيادات متخصصة في علاج الربو تهتم بتوعية المريض عن مرضه وتثقيفه عن طبيعته ، فالانتظام على الأدوية المتحكمة بالربو والتعامل المبكر مع أزمات الربو يمنع تطورها وبالتالي يتجنب المريض الذهاب إلى الإسعاف والمستشفى وما يتبعه من ارتفاع في تلك التكلفة. فكما ذكر سابقاً أن تكلفة يوم واحد في العناية المركزة تؤمن أدوية الربو لمدة سنتين. إن هذه العيادات المتخصصة توجد في بعض المستشفيات ولكن نظراً لانتشار المرض ولما يمثله من عبء على المريض وعلى النظام الصحي، فإن نشرها سيكون له مردود كبير. أما الجانب الآخر فهو توفير الأدوية المتحكمة بالربو والحرص على توافرها بأسعار معقولة وفي متناول المريض لكي تهيئ له الظروف المواتية للانتظام على علاجه للوصول إلى تحكم أفضل بالمرض. كذلك لابد من تكثيف حملات التوعية طوال العام للوصول إلى أكبر شريحة من الأشخاص الذين يعانون منه.

إن الوصول إلى تحكم أفضل بمرض الربو سينعكس إيجاباً على نوعية حياة المصابين به، ويقلل من معاناتهم الناتجة عن أزماته. وهذا بالتالي يقلل من عبئه الاقتصادي على النظام الصحي، وبالتالي الاستخدام الأفضل والارشد للإمكانات المتاحة، وهذه نتيجة هامة لما نلاحظ من ضغط ملحوظ على المستشفيات والمراكز الصحية.

http://almoamary.blogspot.com/

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق